كتاب المذكر والمؤنث [ابن الأنباري] من جمع المؤنث

عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ،

وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ،

وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ،

وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ


 كتاب المذكر والمؤنث [ابن الأنباري] من جمع المؤنث

اعلم أن النون علامة جمع المؤنث القليل، والتاء علامة لجمع المؤنث الكثير. تقول في جمع القلة: الهندات قمن، والزينبات جلسن، وتقول في جمع الكثرة: الهنود قامت، والزينبات جلست، وكذلك تقول في المستقبل: الهندات يقمن، والزينبات يجلسن في القلة، والهنود تقوم، والزيانب تجلس في الكثرة.

وتقول في الدائم: الهندات قائمات، والزينبات جالسات في القلة، والهنود قائمة، والزيانب جالسة في الكثرة.

قال النحويون: الأيام المعدودة أكثر من الأيام المعدودات، وكذلك تقول: لثلاث خلون ومضين وبقين من الشهر، وكذلك لأربع خلون وخمس مضين إلى العشر، فإذا كثر العدد قلت: لإحدى عشرة ليلة مضت وخلت، وكذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت ومضت، ولثلاث عشرة ليلة مضت وخلت إلى تسعٍ وعشرين. سمعت أبا العباس يقول: هو بمنزلة قولهم: الهندات قمن، والهنود قامت، وأنشد الفراء: 

خط هذا الكتاب في يوم سبتٍ ... لثلاثٍ خلون من رمضان

وكذلك تقول: النسوة تحدثن عندك، والنساء تحدثت عندك، ويقال: تحدث النساء عندك، فسررن زيدا، وتحدث النساء عندك فسرت زيدا، وربما قالوا: تحدثت النساء عندك فسررن زيدا، والقياس مع أصحاب القول الأول، والقول الثاني ليس بخطأ؛ لأن من العرب من يجعله سمة القليل للكثر، وسمة الكثير للقليل. قال الله عز وجل: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواجٍ) وقرأ قوم: (لا تحل لك النساء) بالتاء والاختيار التذكير؛ لأن الهاء والنون في قوله (بهن) للقلة، وتذكير الفعل يدل على القلة، وإلى هذا كان يذهب الكسائي،

والدليل على صحة هذا القول قول النابغة:

أخذ العذارى عقدها فنظمنه ... من لؤلؤ متتابعٍ متسرد

والهاء والنون للجمع القليل من المؤنث، والهاء والألف للجمع الكثير. تقول من ذلك: الدراهم قبضتهن في القلة. وفي الكثرة: الدراهم قبضتها، وكذلك بعثت إليه أكبشًا فأذبحهن، وكباشًا فأذبحها. قال الله عز وجل: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله) ثم قال:

(منها أربعة حرم) أراد: من الاثني عشر، فجعل الهاء والألف للكثرة ثم قال بعد: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أراد في الأربعة، فجعل الهاء والنون للقلة. على هذا أكثر أهل العلم. وقال قوم: الهاء والنون تعود على الاثني عشر. فهذا ليس بخطأ، إلا أن الأول أجود منه، والتفسير يشهد للأول؛ لأنه عز وجل خص الأربعة فقال: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) (ليعظم حرمتهن)؛ كما قال تعالى ذكره: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، فأفرد الصلاة الوسطى من الصلوات للخصوص، وقد أجاز الفراء المذهب الثاني وقال: ربما جعلت العرب سمة القليل للكثير، وسمة الكثير للقليل وقال: أنشدني أبو القمقام الفقعسي:

أصبحن في قرح وفي داراتها ... سبع ليالٍ غير معلوفاتها

فجعل الهاء والألف للسبع، وهي قليلة، وكان الأجود أن يقول (غير معلوفاتهن) وتقول: أقبل أكبشك في القلة، وأقبلت كباشك في الكثرة، فالأكبش للجمع القليل والكباش للجمع الكثير، فإذا كان الجمع يقع على القليل والكثير بلفظٍ واحدٍ ذكرت الفعل إذا أردت القليل، وأنثته إذا أردت الكثير، فتقول -إذا أردت القليل-: هدم الأخبية في جمع الخباء، وإذا أردت الكثير قلت: هدمت الأخبية فافهم ما وصفت لك، وقس عليه.

Ulasan

Catatan Popular